Ads 468x60px

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

حسينيون عراقيون رموز الشيعة

السلام عليك يا ابا عبدالله

الاثنين، 5 ديسمبر 2011

حسيني الهوى

يروي سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله الوارف): ان الخطيب الحسيني المعروف الشهيد الشيخ عبد الزهراء الكعبي (رحمة الله عليه) ذهب سنة ما برفقة المجاهد الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره) الى بغداد، ليقنع مدير الإذاعة أن يبث قراءة مقتل الحسين (عليه السلام)، وكانت مبادرة شجاعة منهما في ذلك الزمن (عقد الستينات)، ولكنهما وبالتوكل على الله تعالى وبراعتهما في الحجة والإقناع، استطاعا أن يقنعاه ولو بصعوبة بالغة، حتى انهما لما خرجا من عنده لم يكونا على يقين بانه سوف يفي بوعده، ولكنه وفى بتأييد من الله (سبحانه وتعالى)، فكان ـ وللمرة الأولى ـ أن سمع الناس في العراق ودول الخليج مقتل الحسين (عليه السلام) يقرؤه الشيخ عبد الزهراء الكعبي من اذاعة بغداد، وكان ذلك في الساعة العاشرة صباح يوم عاشوراء.
ولا يخفى ما كان لهذه الخطوة من آثار بناءة عظيمة في الكيان الشيعي في المنطقة، واداء حكيم لتبليغ معالم الحق والمظلومية الحسينية، إلا أن الأعجب من هذا العجيب هو تكرار بث المقتل في عصر ذلك اليوم أيضاً، ولكن لا تعجب، فان للحسين (عليه السلام) نفوذاً في القلوب، وانما انا وانت وسائل قد تتهيأ لذلك بلطف الله وفضله وتوفيقه، فتؤجر بذلك وهنيئاً للمأجورين.
فذهب الشهيدان السيد حسن الشيرازي والشيخ عبد الزهراء الكعبي ليستفسرا من مدير الاذاعة سبب تكرار البث، علماً انه كان مترددا في بثه للمرة الواحدة، فاخبرهما قائلاً: انني تلقيت بعد الانتهاء من البث مكالمة من احد امراء الجيش (وهو من ابناء السنة) طالبني ببثه مرة ثانية، فقلت: سيدي لا يستحسن بث موضوع مرتين في الاذاعة، وهو يستغرق ساعات وليس دقائق، اضافة الى انني اخشى من ابناء السنة معارضتهم للحديث عن الخصوصيات الشيعية!
فردّ علي بصرامة قائلاً: انا اقول لك انني من ابناء السنة، حتى خفتُ ان يقتحم الاذاعة بمدرعاته بعد ساعة فيرميني في السجن.
فقلت: حسناً سيدي، ولكن اخبرني ما علاقتك انت وهذا المقتل؟!
قال: انني لما رجعت الى المنزل، وجدت زوجتي جالسة عند المذياع وتبكي، فسألتها: ممَ بكاؤك؟ فأشارت الى المذياع، ففهمت منها ان استمع، ولما سمعت الحديث جرت دموعي حزناً من غير إرادتي، وجلست استمع حتى انتهى الحديث، ولكني لم اسمع القصة كاملة، لذا اريدك ان تعيد بثّه لي وللملايين من امثالي، كي نعرف حقائق ما جرى على آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أخفاها المعاندون، أنا لستُ شيعياً ولكني لن اتحمل طمس الحقيقة!


الأحد، 4 ديسمبر 2011

الرسالة الأخلاقية في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

إن الأخلاق هي النور الذي يعالج الروح ويشفيها من أمراضها، كما يعالج الطب أمراض البدن، فالأخلاق العظيمة السامية ترافق الرسالة العظيمة التي حملها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى العالمين.
وإذا تأملنا في سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) نجدها النموذج الأرقى لمكارم الأخلاق، ولذلك يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
ويخطابه الباري سبحانه وتعالى بقوله: (وإنك على خلق عظيم).
وقد سلك الإمام الحسين (عليه السلام) نهج جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد رسم نموذجاً رائعاً في المواقف الأخلاقية الخالدة، لا سيما التي سجلها في واقعة الطف.. ولذلك نقول: إن تحب أقربائك ليس غريباً، وإن تحب أصدقاؤك ليس غريباً، وان تحب من يحقد عليك ـ ولو باطناً ـ ليس غريباً كذلك، فكل هذا ممكن، ولكن أن تحب عدوّك الذي يشهر السيف بوجهك ويتلهّف على قتلك، هذا هو الحبّ العظيم الذي كان يفيض من قلب الإمام أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه).
كان الإمام الحسين (روحي له الفداء) يخرج صباح عاشوراء إلى ساحة القتال وينظر إلى عدوّه، ثم يبكي ويطيل البكاء، فيظنّ الحاضرون أنه يبكي تفجعاً أوحقداً أو غربة، بل كان الإمام (عليه السلام) يبكي لأنهم يدخلون النار بسببه، هذا الذي كان يؤلمه، ما أعظم هذه الروحية، كلها عطاء ورحمة ورأفة وانسانية.
وموقف آخر من واقعة كربلاء هو قبول الحسين توبة الحر بن يزيد الرياحي، مع أن موقف الحر هو الذي أدى بالإمام إلى الموت والأسر لأهل بيته، وكيف أن الحسين وقف في تلك الصحراء الملتهبة يسقي الماء لجيش الحر ذات ألف فارس الذي جاء لقتال الحسين.. فلو عرضنا هذه المواقف للعالم لدخل العالم إلى الاسلام عن طريق المولى الحسين بن علي (عليه السلام).
لقد رسم الإمام (عليه السلام) لأهل بيته مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، وأمرهم بالتحلّي بها ليكونوا قدوة لغيرهم، وتوجيه الناس إلى الحق والخير، وإبعادهم عن نزعات الشر من الاعتداء والغرور وغير ذلك.
كتب إليه رجلٌ يسأله عن خير الدنيا والاخرة، فأجابه (عليه السلام): "أما بعد، فإنّ من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس"، وقال أيضاً: "عباد الله! اتقوا الله، وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد لكان الأنبياء أحق بالبقاء.. غير أن الله خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء… فتزودوا فإن خير الزاد التقوى”.
تأمل ـ يا أخي المؤمن ـ إلى هذا الموقف الأخلاقي للإمام الحسين (عليه السلام):
دخلت جارية من جواري الإمام (عليه السلام)، وقدمت له طاقة ريحان، فيقول لها الإمام: "أنتِ حرة لوجه الله تعالى”.
فيقول له أحدهم: جارية تجيئك بطارقة ريحان فتعتقها؟!
فيقول الإمام (عليه السلام): "هكذا أدّبنا الله، حيث قال تعالى: (وإذ حييّتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها)، وكان أحسن منها عتقها”.
ومرة أخرى جنى غلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي، والعافين عن الناس، قال (عليه السلام): "قد عفوت عنك"، قال: يا مولاي، والله يحب المحسنين، قال: "أنت حر لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك”.




دلالات التسامح الحسيني في عالم متغير


يتقلب الإنسان في الحياة الدنيا بين مجموعة من القيم والمثل الإنسانية التي تتأرجح بين المطلقة والمحدودة، والمثل العليا المطلقة يصعب تعريفها بتعريف جامع شامل، لأن التعريف يحدها، والحد تقييد للقيمة المطلقة، أو تحديد لها يخرجها عن إطلاقها، لكن الإطلاق يجعلها مرتعاً خصباً للإنفتاح على نماذج كثيرة لهذه القيمة المطلقة، واستشراف مديات أوسع وأكبر، والتحرك في إطارات عدة.
والمُثُل مفهوم قيَمي ذات دلالات واسعة وانعكاسات كثيرة على الواقع الشخصاني والمجتمعي والأممي والكوني، فالإنسان مهما بلغ شأواً فهو كغيره من البشر على علاقة مباشرة بالواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، وهذا الواقع له قدرة التأثير عليه، كما أن للشخص قدرة التأثير على الواقع، فهناك علاقة ترابطية أبدية بين الفرد والمجتمع، لها قابلية التمدد والتقلص سلباً أو إيجاباً، بنفس حجم تعاطي الفرد مع مكونات المجتمع من إنسان وحيوان وجماد ومحيط داخلي وخارجي يحتك بهما باستمرار.

وهذه العلاقة تكشف عن ماهية الفرد، وتكشف عن الصورة العامة للمجتمع، فنقول هذا مجتمع هادئ، وذاك مجتمع متعصب، وثالث متشنج، ورابع عطوف، وخامس ظلوم، وسادس متسامح، وسابع غشوم، وهكذا..
فالصبغة التي انطبع بها المجتمع إنما هي نتاج فعال أفراده، ففي صفوف المجتمع الخيّر هناك أشرار، وفي المجتمع الظلوم هناك أخيار، لكن الخير يخص والشر يعم حتى وإن كان الأشرار قلّة، وفي مثل هذه الصورة المجتمعية غير السليمة يبذل الأخيار أقصى جهدهم للخروج من طائلة الصبغة الظلومة القاتمة التي اصطبغ بها مجتمعهم، أما الأشرار فكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، بل أنهم لا يتوانون عن التمادي في الغي، لأنهم يرون مبتغاهم في مثل هذه الأجواء المريضة، ولا يهمهم مبلغ أذاهم للغير.
في حين أن المجتمع السليم هو الذي يتطلع إلى المثل السامية التي يجد فيها ضالته، والسفينة التي يمخر بها عباب الحياة، والسلطان الذي ينفذ به نحو سماء التكامل والرقي.
والإنسان ذو الفطرة السليمة ميال بطبعه إلى تلمّس ثريّا المثل العليا، والحط على جُرمها والسياحة في فضاءاتها.
قيمة التسامح:
ولعلّ واحدة من هذه المثل والقيم؛ هي قيمة التسامح التي يُجسدها قوله تعالى: ﴿إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾ [سورة فصلت: 34]، والتسامح هو مظهر حي من مظاهر سماحة الإسلام التي سعى رسولُ الله محمّد (صلى الله عليه وآله) إلى إقرارها في واقع المجتمع الإسلامي الفتي بالقول والفعل، ولذلك لم تكن الحروب التي خاضها إبتدائية، فكلها حروب دفاعية، وحتى في هذه الحروب لم يكن ليبدأ القوم بحرب، فهو يعظهم ويستنفذ كل الطرق في إلقاء الحجة عليهم أملاً في هدايتهم، ولشدة حبه للإنسان وتسامحه مع مَن ألقى في طريقه أحجار البغضاء أن كانت تذهب نفسه عليهم حسرات، وكان يأسف لشركهم وسباحتهم في آسن غيّهم.
فرسالة الإٍسلام تتقصى في المسلم الإنسان، وتبحث عن الإنسانية في غير المسلم، ولذلك كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يتألم إشفاقاً على أعداء الدين، ولم يكن ليدعو عليهم، وشعاره دوماً وأبداً: "أللّهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"، قالها وهو في الطائف وقد تعرض للأذى الجسدي، فمن باب أولى أنه يدعو لهم بالخير والهداية في المواقف الأقل سخونة، وهذا ديدن الرسول (صلى الله عليه وآله) التسامح ثم التسامح ثم التسامح، وكان من تسامحه أن عفى عن قتلة الصحابة في بدر وأحد وحنين عندما تمكن من رقابهم في فتح مكة، وقال لجموع القوم: "إذهبوا فأنتم الطلقاء"، لأنه كريم وابن أخ كريم، وكان أن عفى عن قاتل عمّه حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام)، لأن العفو مذهبه!
وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد أزهقت نفوس سبعين مليوناً من بني البشر، فإن عدد القتلى والشهداءِ من الجانبين في كل حروب الرسول (صلى الله عليه وآله) مع الآخر لم تتجاوز الألف في أكثر الفروض، وهذا ينبيك أن الرسول كان يتطلع إلى إنسانية الإنسان وإسلامه لا إلى رقبته وسفك دمائه.
وصورة التسامح هذه الواضحة المعالم على لوحة الحياة المحمدية، تحاول بعض القوى الداخلية والخارجية الخدش بها من خلال الزعم أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) نشر دينه بمنطق القوة لا بقوة المنطق، في محاولة منها الإساءة إلى الإسلام ونزع لباس الأمن والسلام عنه.
حديثنا هنا عن سياسة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في إدارة دفة الحروب بخاصة وإدارة دفة الحكم بعامة، التي تعتبر حجة لا يمكن لأحد التخلف عنها، لأنه: ﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى﴾ [سورة النجم: 3ـ4]، ولا يعنينا من الناحية الشرعية سياسة الآخرين، فالقرآن هو الحجة الدامغة، حيث يدعو إلى مجادلة الآخر بالتي هي أحسن، فمن باب أولى أن يكون التسامح في ما بين النسيج الإجتماعي الواحد هو العنوان الأبرز، والسنّة هي الحجة البالغة حيث تدعو إلى العفو عند المقدرة، فمن باب أولى أن يكون التسامح هو شعار المجتمع الواحد.
نسيج واحد:
وعلى منوال "حسين مني وأنا من حسين"، يأتي النسيج متشابهاً لتشابه الخيوط وتماثل اللُحمة، بل هي اللحمة بعينها، وهي قطعة النسيج ذاتها، ولا يقتصر مصداق (المِن) على العلاقة النسبية كونه السبط الثاني بعد الإمام الحسن (عليه السلام)، بل يتعدى المصداق إلى الشاهد الرسولي التبليغي المنفتح على الشاهد الإمامي التبليغي، فحيث كان النبي محمدٌ رسولاً من الله إلى الأمة التي تنازعتها الأهواء وقسّمتها ثلاثمائة وستون صنماً على أبواب مكة، نهض سليل النبوة ومعصم الرسالة في زمن عصفت بالأمة رياح التضليل وصار الدين لعق على ألسنة المسلمين يدرّونه ما درّت معايشهم، فكانت غضبة الدين التي جاءت لإصلاح اعوجاج الأمة وإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قلّ العاملون بها، حيث صار الأمر بالمنكر حليف الأمة والناس على دين ملوكهم، وصار النهي عن الحق هو الصبغة العامة والناس يدخلون مداخل الملوك، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وساء مدخلاً.
وحيث كانت القواسم المشتركة بين نبي الإسلام وسبطه وسيد شباب أهل الجنة كثيرة، كانت هجرة السبط إلى العراق كما كانت هجرة الجد إلى المدينة، وفي الطريق إلى الكوفة عاصمة الخلافة الراشدة الرابعة والخامسة تصله الأخبار بما لا تسر، لكنه يمضي إلى مسؤوليته، ويحيط به جيش من ألف فارس يقودهم الحر بن يزيد الرياحي أحد فرسان الكوفة ممن لم يكاتب الحسين (عليه السلام)، يجعجع به الطريق ويحجره عن الحركة، فلا هو إلى الكوفة ذاهب ولا هو إلى المدينة راجع، ويحط الرحال في كربلاء.
وعلى الرغم من هذا الموقف العدائي للحر الرياحي، فان تسامح الحسين (صلوات الله عليه) قاده إلى أن يروي عطش هذا الجيش القادم لاعتقاله، ويزيد على تسامحه تسامحاً أن رشّف خيلهم وأزال عن الفرسان ومطاياهم حر الرمضاء اللاهبة.
وفي المفهوم العسكري الميداني؛ فإن الحر الرياحي يمثل نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحسين (عليه السلام) انتهت إلى وقوع فاجعة كربلاء وسقوط الرجال مرملين على صعيد الطف والنار تلتهم الخيام، وحوافر الخيل ترتقي جسد الحسين التريب وتسحق رحل الحسين وأهل بيته وأنصاره.
ولكن في لحظة صحوة الضمير، يُخيِّر الفارس الكوفي نفسه بين الجنة والنار، بين البقاء على الغي أو تلمّس طريق الحق، فينزل في ساحة الحسين (عليه الصلاة والسلام) يطلب الصفح والعفو والتوبة، وحيث يبحث الحسين (عليه السلام) كجده عن إنسانية الإنسان، يقبل توبته ويصفح عنه، فالتسامح شعاره!
كان الحسين (عليه السلام) يدرك في تلك اللحظات أن الشهادة حليفه، حيث شاء الله أن يراه قتيلا، وكان بإمكانه أن يعتذر عن قبول توبة الحر، فيلتحق هو الآخر بعارها وشنارها دنياً، وبنارها وحريقها آخرة، لكنه جاء كجدّه رحمة للعالمين، واقتضاء الرحمة أن يتسامح، بخاصة وأن تسامحه في مثل هذه الظروف انتشال للإنسان الآخر من الضياع، وإن كان الآخر هو أحد أسباب المحنة والمصيبة، فالآخر وسلامته في الدنيا وسعادته في الآخرة هو محط أنظار أرباب الرسالة السماوية.
فالذي يتسامح مع مَن كان في المنظور الإنساني المجرد عن البعد الغيبي هو أحد أسباب نكبة كربلاء، فمن باب أولى أن يتسامح في ساعات أقل شدة وأقل وطأة، لأن الإسلام في واقع الأمر يريد من الإنسان حياته لا موته، فطلب الموت للغير من سُنّة الجبابرة الذين يتبوّؤون مقاعد السلطة ولو على رقاب الإنسان وكرامته، في حين أن كرامة الإنسان في دائرة المفاهيم الإسلامية أعظم من بيت الله، فقطرة الدم مقدسة، وقطرة الدمع مقدسة، وقطرة صفحة الجبين مقدسة.
كان الحسين (عليه سلام الله) كجده يبكي القوم في كربلاء لأنهم سيدخلون النار بسبب قتلهم له، فهم يريدون موته وهو يريد حياتهم، ولكن لا حياة لمن تنادي، وهل يرعوي من لبس رداء الشيطان وتمنطق سيفه وامتطى جواده؟!
قراءة واعية:
من الثابت أن الإنسانية تملك شخصية كبيرة مسامحة كمحمد (صلى الله عليه وآله) وتملك شخصية مسامحة كالحسين (عليه السلام)، لكن المشكلة في حملة العلم المحمدي كيف يمكنهم عرض الرسالة الإسلامية الخاتمة وجذب قلوب الناس إليها لانتشالهم من وحل الفراغ الروحاني والعقائدي؟ وبعضهم يقدم حصان العنف والتطرف أمام عربة التسامح والإعتدال.
لماذا يقرأ البعيد الإمام الحسين (عليه السلام) قراءة يعجز القريب عن قراءتها؟
لماذا قرأ زعيم الهندوس المهاتما غاندي في الحسين تسامحه والأعداء تحيط به من كل جانب، فانتصر غاندي على أقوى امبراطورية محتلة عبر سلاح اللاعنف والعصيان المدني، لا عنف السلاح والذبح المدني؟!
لماذا يقرأ الزعيم البوذي (الدلاي لاما) في الحسين معالم نهضته الخالدة، إلى الدرجة التي يتمنى معها أن يكون الحسين بوذيا حتى يجعل الناس كلهم بوذا، فالبوذية قائمة على الروحانية وعلى مبدأ التسامح، وحسب تعبير الدلاي لاما زعيم البوذ في العالم: إذا كانت لدينا نحن البوذ شخصيات مثل الإمام علي والإمام الحسين، وإذا كان لنا نهج البلاغة وكربلاء، فإنه لن يبقى في العالم أحد إلا ويعتنق العقيدة البوذية، نحن نفتخر ونعتز بهاتين الشخصيتين الإسلاميتين.
فهل يعقل أن يفهم غاندي والدلاي لاما رسالة الحسين الإصلاحية التسامحية، ولا ندرك نحن المسلمون ذلك؟
هنا أرى أن نعيد قراءة النهضة الحسينية من جديد، كما قرأها سماحة البحاثة آية الله الدكتور محمد صادق الكرباسي في موسوعته الفريدة (دائرة المعارف الحسينية) في ستمائة مجلد من ستين بابا، صدر منها حتى يومنا هذا ستون مجلدا، ففيها ما يحتم على المتلقي قراءة الواقع الحسيني كما أراده الإمام الحسين (عليه السلام) لا كما نريد، فما نريد ينتابه الخطل، وما يريد لا يصيبه الزلل.
* ألقي النص في اليوم الثالث من فعاليات مهرجان ربيع الشهادة الخامس المنعقد في كربلاء المقدسة في الفترة 26-30/7/2009 م، تحت شعار (الثابت الحسيني في عالم متغير).

الإمام الحسين (عليه السلام) في عيون المستشرقين والعشاق

لا يقاس الحسين بالثوار، بل بالأنبياء، ولا تقاس كربلاء بالمدن، بل بالسماوات, ولا تقاس عاشوراء بحوادث الدهر، بل بمنعطفات الكون! هكذا هو الحسين.. كتب الله أن يستدل عليه البشر مهما حالت دونه المسافات الزمنية والمكانية، كشمس تطلع في كل يوم أو كنجم لا يبارح مكانه من السماء.
و العجيب أنك لا تستطيع أن تفرق بين رأي الباحث المنصف في الحسين وبين رأي عشاقه، فتجد الجميع يشعر تجاهه بالانتماء الحميمي.
قال عنه المفكر المسيحي انطوان بارا، وهو يقرر حقيقة الأثر الذي ينطبع بمجرد ذكر اسمه الشريف: "لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبرا، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين"، وقال: "الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت، وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى إعجابنا وإكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا".
وقال الهندوسي والرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي تاملاس توندون متحدثاً عن تضحيات الحسين (صلوات الله عليه): "هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشري، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد وتذكر على الدوام".
ومعروف لدى الكثير تأثر الزعيم الهندي غاندي بحياة الإمام الحسين، وكان ذلك وراء النجاح الذي أحدثه في الهند، يقول: "لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء، واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين"، وقال كلمته المشهورة: "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر".
وأشارت الكاتبة الإنكليزية فريا ستارك إلى المد العاطفي الذي يجرفها حين تقرأ مأساة الحسين، إذ تقول: "ليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة، لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس، وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء".
ونوه المفكر الانجليزي جورج برنارد شو إلى ضرورة الانحناء باجلال لشخصية الحسين (صلوات الله عليه)، حيث يقول: "ما من رجل متنور إلا وعليه الوقوف وقفة اجلال واحترام لذلك الزعيم الفذ حفيد الإسلام، الذي وقف تلك الوقفة الشامخة أمام حفنة من الأقزام الذين روعوا واضطهدوا أبناء شعوبهم".
ووصف الأديب الألماني يوهان فولفجانج فون جوته مأساة الحسين بقوله: "إن مأساة الحسين هي مأساة للضمير الإنساني كله، وإن الحسين جسد الضمير الإنساني بدفاعه عن القيم والمثل الإنسانية الرفيعة".
واعتبر الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن القرآن ومحمد والحسين ثالوث مقدس، ويضيف: "يجب النظر إليهم نظرة تقديس، لأن فيهم الكثير من المثل العليا واحترام حقوق الإنسان".
ويرى المستشرق الأمريكي غوستاف غرونيبام أن واقعة كربلاء ذات أهمية كونية، معلّلاً بقوله: "فلقد أثَّرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين، الرجل النبيل الشجاع في المسلمين، تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى".
في حين تعجب الزعيم الصيني ماوتسي تونغ من المسلمين، إذ يقول: "عندكم تجربة ثورية وإنسانية فذة قائدها الحسين، وتأتون إلينا لتأخذوا التجارب؟! ".
وقال أبو غادة من الأردن أنه لا يتصور مسلماً يعرف دينه وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان يجهل مكانة آل بيت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، مؤكداً أن "الأحاديث التي تبين فضل الحسين سبط رسول الله لا ينكرها مسلم مهما كان مذهبه، فهو ممن نصلي عليهم في كل صلاة حين نقول في التشهد: اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد"، ويضيف أبو غادة: "نحن ندين لله بحبهم وحب الحسين، ومن لا يؤمن بذلك ففي دينه نظـــر"، واستغرب يقول: "لا ادري كيف نتجاهل ما ورد في شأن آل البيت عندنا؟ هل ذلك عناد للشيعة؟ "، ويعود مستغرباً يقول: "عندنا إجماع على مكانتهم وفضلهم".
وسردت يمامة أحمد موقفاً استشفت منه عالمية الإمام الحسين، فتقول: "كنتُ على متن الطائرة بعد عودتي من زيارة سيد الشهداء متوجهة من الكويت إلى البحرين، وأثناء الرحلة صادف أن جلسَت إلى جواري امرأة استرالية، اكتشفتُ في حديثي معها أنها ملحدة لاتؤمن بالرب إطلاقاً، سألتني هي بدورها من أين جئتُ، فقلت: من العراق، فبدت عليها الدهشة وقالت: Dangerous، ثم سألتني بفضول عن سبب الزيارة، فقلت: لنزور الحسين, حينها هزت رأسها وأكدت أنها تعرفه".
وعبّر الرادود الحسيني الحاج مهدي سهوان من مملكة البحرين عن حبه العميق للحسين، فيقول: "لا يوجد في القلب سوى حب الحسين"، واستدل على ذلك بقول الرسول (صلى الله عليه وآله): "حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحب حسينا"، وتابع يؤكد من جديد: "ليس هناك في القلب غير الحسين، فهو السبب المتصل بين السماء والأرض، وهو باب الله الذي منه يؤتى، وهو وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء، وهو سفينة النجاة، وليس سوى الحسين في قلب المؤمن، لأنه نور الله في الأرض، وهو الطريق إليه وإلى رضوانه".
وأجاب بعض الأطفال ما دون السادسة عن حبهم للحسين (عليه السلام) بإجابات فطرية ولائية, تقول الحوراء نعمان (5 سنوات ونصف): "الحسين ينام في القلوب", وقال محمد سامي: "الإمام الحسين (عليه السلام) موجود معنا"، وقالت سارا سامي: "هو موجود أمام الكعبة".