Ads 468x60px

Featured Posts

الأحد، 25 نوفمبر 2012

المصرع - الشيخ عبد الزهراء الكعبي

صوت الحسين - باسم الكربلائي - ليلة 10 محرم 1434

الإمام الحسين عليه السلام والأمة

الإمام الحسين عليه السلام والأمة


يبرز دائماً إلى أذهان كثير من الناس سؤال حول عدم تمكن الحسين عليه السلام من الإطاحة بحكم الطاغوت يزيد وتغيير الحالة الخارجية التي كانت عليها الأمة في تلك الفترة من الزمن. ومن هنا قد يشكك أحد في مصداقية ثورة الحسين وكونها ثورة من أجل تغيير الوضع السيئ الذي كانت تعيشه الأمة وسبب ما فرض عليها من حكم طاغوتي من قبل بني أمية. ومن أجل الإجابة على مثل هذا التساؤل ودفع هذا التشكيك ينبغي لنا أن ندرس أولاً مقومات الثورة الناجحة وشروط النجاح ثم بعد ذلك نحاول تطبيق تلك الشروط ثانياً على ثورة أبي الأحرار الحسين "ع" لنرى هل أن تلك الشروط كانت متوفرة فيها أم لا. وقبل ذلك ينبغي الالتفات إلى أن ما نعتقده نحن كمسلمين أن الحسين عليه السلام لا يتحمل أي مسؤولية في عدم تحقق هذا الهدف خارجاً وإنما تقع المسؤولية على الأمة نفسها إلا أنه مع ذلك درئاً لمثل هذا التشكيك نطرح هذا التساؤل وهو هل يتحمل الحسين عليه السلام بنفسه مسؤولية عدم الإطاحة بحكم يزيد والوصول إلى السلطة أو لا؟ ومع كون الإجابة بالنفي فلا مسؤولية على الحسين فإذاً ما هي عوامل الضعف في الأمة التي أدت لهذه النهاية المأساوية وأدت إلى عدم تحقيق الهدف على يد الحسين عليه السلام ويتضح الجواب من خلال دراسة الأمرين الذين ذكرناهما:
الأول: مقومات الثورة الناجحة وشروط نجاحها.
الثاني: توفر هذه الشروط في ثورة الحسين عليه السلام.
الأمر الأول: مقومات الثورة الناجحة
الظاهر أن الشروط الأساسية المعتبرة في نجاح كل ثورة من منظور إسلامي خمسة شروط:
أولها: البعد الإلهي للثورة
بمعنى أن يكون لهذه الحركة التغيـيرية ارتباطا بالله سبحانه وأهمية ذلك واضحة لكونها الهدف الأساس لكل عمل تغييري في المنظور الإسلامي مضافاً لما يعطي للثورة من بعدٍ روحي وقداسة في نفوس الناس كما نرى ذلك في جميع حركات الأنبياء الإصلاحية.
ثانيها: البعد الإنساني فيها
بمعنى أن تكون مهتمة بالنواحي الفطرية التي فطر الإنسان عليها من قبل الله سبحانه وتعالى لأنها تعتبر أمراً ثابتاً في حياة الإنسان وتبقى معه في كل التأريخ وفي مختلف الظروف التي يمر بها. فالبعد الإنساني لكل حركة إصلاحية يمكن معرفته من دراسة حركة الأنبياء حيث نلاحظ وجود خصوصيتين فيها: الأولى: مقارعة الظلم ورفضه والدعوة إلى الحق والعدل وتحقيق الطمأنينة والاستقرار. الثانية: كرامة الإنسان وعزته وحريته الحقيقية والكمالات التي تجسد طموحه وآماله وتطلعاته في الحياة. وقد ا هتم مثلاً نبينا محمد صلى الله عليه وآله بهذا الجانب الإنساني في حديثه لرفض الأصنام والوثنية والأوهام والخرافات والتقليد، وكذا عندما تحدث عن تقسيم العلاقات القبلية والاجتماعية ورفض الظلم الذي كان يمارسه الطغاة تجاه الناس، وعمل أيضاً على تحرير الإنسان من الشهوات، ودعاه إلى العزة والكرامة الإنسانية، والمساواة بين الناس، إلى غير ذلك من المعاني الإنسانية السامية، وقبل كل هذا، الدعوة إلى عبادة الله عز وجل وتوحيده التي تقود الإنسان إلى الكمالات. ثم إن هذا البعد كما يستدعي الاهتمام بالنواحي الفطرية الأساسية للإنسان يستدعي الاهتمام بواقع الأمة الحياتي، والتأثير فيه وتحريكه من خلال القضايا الحسية المعاشة للسير في طريق التكامل فلابد من تحرير الإنسان من عبوديته لغير الله ليتمحض في العبودية لله وإلا لن يكون منه ذلك أبداً وكذا الإنسان الذليل المستسلم للظلم لا يمكنه مقاومة الظلم والطموح إلى الأفضل. فلابد إذن من تحرير الإنسان من عبودية الآخرين واخلاص العبودية لله، مضافاً إلى أن هذا البعد يمثل البعد الأخلاقي في المجتمع وهو يعبر عن الحاجات الأساسية في الحياة الإنسانية والتي بدونها تضطرب حياة الإنسان وتتحول إلى جحيم وظلام.
ثالثها: البعد التخطيطي للثورة
فلا بد لنجاح كل ثورة من عقل يخطط لها تخطيطاً علمياً سليماً يتلائم والسنن التاريخية ويسير بها لتحقيق أهدافها المنشودة، أما لو لم تشتمل الثورة على ذلك فإنها لا تعدو كونها مجرد انفعالات عاطفية ومشاعر وأحاسيس نبيلة. وقد تكون مجرد ردة فعل وتمرد وانعكاس للواقع السيئ فليست عملية تغييرية بناءة تهدف إلى العدل والقسط والتكامل الإنساني .
رابعها: البعد العاطفي
وهو الجانب العاطفي الوجداني فيها فهو يمثل وقودها لأن مجرد الوعي والإدراك للواقع الفاسد وحده مع التخطيط وتشخيص الأهداف لا يحرك الإنسان نعم يهديه إلى الطريق الصحيح ويبين له الدرب لكن الذي يمنحه الاندفاع والقدرة على التحرك إنما هو الجانب الوجداني، ولذا تحتاج الثورة إلى الأهداف والشعارات والمفاهيم والتخطيط وتحتاج أيضاً الجانب الوجداني لتكون قادرة على الحركة والفاعلية وهو ينطلق دائماً من حب الإنسان لله سبحانه وتعالى وقد أشار له عز وجل في كتابه الكريم حيث قال : ـ " والذين آمنوا أشدّ حباً لله"(1)‏ ومن ثم حب كل ما يرضيه سبحانه ويرضي أوليائه الصالحين وحب المعاني الخيرة التي أودعها في الإنسان من عدل وإحسان وعزة وكرامة وحرية.
خامسها: البعد الجماهيري
بحيث يكون لها وجود جماهيري وقاعدة شعبية في الأمة تتفاعل معها وتؤمن بمناهجها وشعاراتها وأهدافها فلا تكون في معزل عن فهم الجماهير ووعيها. ولذا تبتني كل حركة إصلاحية في أي مجتمع على تهيئة قاعدة جماهيرية وإعدادها فكرياً ومعنوياً حتّى يتحقق التفاعل على المنشود، وإلا لا يتحقق للمصلح القيادي التغيير المرجو.
الأمر الثاني: توفر هذه الشروط في ثورة الحسين عليه السلام
بعد معرفة مقومات الثورة الناجحة والشروط المعتبرة فيها نحتاج إلى تطبيقها على النهضة المباركة لإمامنا الحسين عليه السلام فنقول:
أما البعد الأول: فتحققه في ثورة الحسين عليه السلام مما لا شك فيه وليس مقصودنا من ذلك أن الحسين كان مرتبطاً بالله فحسب. وإنما نقصد بذلك أن التحرك بمجمله كان مرتبطاً بالأهداف الإلهية وأن القضية التي تحرك الإمام عليه السلام في إطارها كانت ترتبط بالله وبالإسلام. وإلا لا شك لأحد في ارتباط أبي عبد الله عليه السلام بالله لكونه إماماً معصوماً. فيتضح أن مرادنا من ذلك هو الإطار العام المطروح من قبل الحسين عليه السلام لحركته ونهضته والمفاهيم والشعارات والأهداف وتفاعل الناس مع هذا المنهج، وهذه الإطروحة من خلال شعاراتها وأهدافها. ويستفاد ذلك من خلال ما جاء في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية: وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب.
وأما البعد الثاني: فواضح من خلال كلمات الحسين عليه السلام وخطبه التأكيد على قضية رفض الظلم. فمن الشواهد على ذلك ما جرى بينه وبين أبي هرم حيث قال له: يا بن رسول الله ما الذي أخرجك عن حرم جدك؟ فقال: يا أبا هرم إن بني أمية شتموا عرضي فصبرت وأخذوا مالي فصبرت وطلبوا دمي فهربت وأيم الله ليقتلوني فيسلبهم الله ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً ويسلط عليهم من يذلهم حتّى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم. فكان هذا الجانب الإنساني أحد الأبعاد والجوانب الإنسانية التي أكد عليها الحسين عليه السلام وجعلها أحد الأهداف والمحاور الرئيسية التي دعته للتحرك لأنه رأى الإذلال الذي أراد يزيد إلباسه الأمة والظلم الذي بسطه عليها. وقد أوضح الحسين عليه السلام هذا البعد في مواقف أخر من كلماته إذ قال: لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما. وقوله: ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وجذور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
وأما البعد الثالث: وهو من النقاط المهمة التي قد يغفل عنها حتّى أنه قد يتصور افتقاد حركة الحسين عليه السلام لهذا البعد اعتماداً على أن الحسين لما كان يعلم بمصيره وبتلك النهاية المأساوية المفجعة ومصير عياله من السبي فلم يكن مهتماً بمسألة التخطيط وبيان الهدف الذي من أجله قام بتلك النهضة. إلا أن دراسة السيرة الحسينية تأبى هذا التصور وتمنع عنه إذ يلحظ المتتبع أن الحسين عليه السلام كان يخطط لهذا التحرك بشكل كامل كأنه شخص له القدرة على استلام الحكم من يزيد وإقامة الحكم الإسلامي. وقد دعى ذلك توهم بعض الكتاب أن الغاية التي كان ينشدها الحسين عليه السلام هي الوصول للسلطة والحكم. بل ذهب ببعضهم الوهم فتصور خطأ الحسين عليه السلام في معرفة الحقيقة وتشخيص طبيعة الأوضاع السياسية والواقعية. هذا وللإجابة على هذين التوهمين وما جرى مجراهما مجال آخر. لكن ما أحب أن أشير له هنا هو ذكر بعض الشواهد المؤكدة على وجود عنصر التخطيط في النهضة الحسينية: منها: موقف الحسين عليه السلام من البيعة ليزيد لما طلب منه والي المدينة ذلك حيث كان الحسين مخططاً لإعلان رفض ذلك ولم يتخذ الأسلوب الذي اتخذه غيره وهذا يتضح من خلال اصطحابه لجماعة من بني هاشم وكلفهم البقاء خلف الباب فمتى ما ارتفع الصراخ اقتحموا الدار وأخرجوه فضلاً عن تخطيطه لكيفية الحديث مع الوالي بداية ونهاية.
ومنها: وصيته الواضحة لأخيه محمد بن الحنفية وقد نقلناها فيما سبق وهي لا تتضمن إلا شعارات النهضة وأهدافها والحديث عنها، والتزامه عليه السلام في طريقه إلى مكة سلوك الطريق العام ليعرف الناس جميعاً هذه الحقيقة وخالف في ذلك من نصحه بأخذ غير الطريق العام إخفاء لنفسه عن الأعداء.
ومنها: ذهابه إلى مكة وبقائه فيها حتّى اليوم الثامن وخروجه في ذلك الوقت الذي ازدحمت فيه مكة بالحجيج فيلفت نظرهم بذلك
ومنها: بعث مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليهيئ له الأجواء ويمهد له الأرضية بتعبئة المسلمين وتنظيمهم وأخذ البيعة منهم ودراسة مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية والروحية فيها وتعريف الناس مقاصد الثورة وأهدافها.
ومنها: رسائله وكتبه التي أرسلها إلى مختلف الأقطار الإسلامية كالكوفة والبصرة واليمن وكانت تتضمن شرح أهدافه وأفكاره واستنهاض المسلمين.
ومنها: إبقائه لأخيه محمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر في المدينة ومكة وعدم اصطحابهم معه لشرح وتوضيح خلفيات الثورة وكونهم عيوناً يرصدون حركة الأعداء.
ومنها: أخذه لعياله وأهل بيته إلى كربلاء وذلك لأمرين:
الأول: عدم استخدامهم أداة ضغط على الحسين عليه السلام لاحتمال أن السلطة تقوم باعتقالهم بمجرد تحرك الحسين عليه السلام فتجعلهم رهائن تضغط بهم عليه فيكون موقفه محرجاً أمام نفسه والمسلمين لكونه قد ضيع عياله.
الثاني: الدور الإعلامي البارز في متابعة مسيرة الحسين عليه السلام وبيان أهدافه وفضح النظام.
وأما البعد الرابع: ووجوده في ثورة الحسين عليه السلام فلا يخفى على أي أحد، بل ربما طغى على جميع الأبعاد الأخرى وكان أوضحها بحيث أن أعداء الحسين عليه السلام وقاتليه يوم عاشوراء بكوا لحاله.
وأما البعد الخامس: فالشاهد على وجوده هو كتب أهل الكوفة للحسين عليه السلام وهي وإن كانت كما ذكره بعض الباحثين كتباً تضليلية للحسين عليه السلام تتضمن نفاقاً. إلا أن ما لا يمكن إنكاره أنها كانت تعبر عن واقع موضوعي حاصل في المجتمع الإسلامي كله وتكشف عن مشاعر حقيقية لكل المسلمين أبرزها أهل الكوفة. وعلى أي حال فهذه الكتب تمثل بعداً جماهيرياً لإحساس أهل الكوفة بالظلم والذل والآلام ويروون أن الحسين هو الأمل في الإنقاذ من هذا الوضع المأساوي. ويشهد لما ندعيه منهجية ابن زياد في الوقوف أمام هذا التيار الجماهيري حيث اعتمد فيه أسلوب القمع فعمد إلى اعتقال وجهائهم ورؤسائهم كالمختار الثقفي وسليمان بن صرد الخزاعي والأصبغ بن نباتة والحارث الهمداني. مضافاً إلى التخويف والتهديد بجيش الشام القادم، وأسلوب الإغراء ببذل الأموال واعطاء الوعود. ولعل في كلمة الفرزدق عند لقائه بالحسين عليه السلام ما يؤكد ذلك لما سأله عن الناس فقال: قلوبهم معك وسيوفهم عليك. ومثل ذلك تجده في البصرة حيث يلاحظ تفاعل الجماهير مع هذه الحركة المباركة. إذن إن المتحصل من جميع ما تقدم هو استكمال نهضة الحسين عليه السلام للشروط التي ينبغي توفرها في كل ثورة لنجاحها مما يعني خلو الحسين عن المسؤولية. وعليه يتقرر أن المسؤولية إنما هي مسؤولية الأمة وهي تتحمل المسؤولية خصوصاً بعدما اتضح تهيئة الحسين عليه السلام لجميع الظروف الموضوعية اللازمة لنجاح الثورة وهذا يكشف عن وجود خلل في الأمة. والظاهر أنه يرجع أساساً للأوضاع الروحية والنفسية لها. وهو ما أراد الإمام الحسين عليه السلام معالجته. حيث أن الأمة قد أصيبت بموت الضمير وفقد الإرادة ومتى كان ذلك في أي أمة فإنها لا تتمكن من تحقيق أهدافها والوصول لغاياتها فضلاً عن التحرك بشكل صحيح.

(1) سورة البقرة الآية رقم 165.

الأحد، 1 يناير 2012

من هو الحسين عليه السلام

من هو الحسين عليه السلام

طالما أن هنالك ظالمين يتحكمون بمصائر الشعوب بالقهر والظلم والتعسف، وطالما ثمة نفوس تواقة إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل، فأن هناك بصيص أمل يكاد نوره يبهر الألباب لمن أراد أن يتعرف عليه ويتعاطى معه إزاء معالجة المشاكل التي تحيق به من كل حدب وصوب.
ومن هذا المنطلق، فإنه يحق لكل أمة أن تقتبس من ذلك البصيص، لتبديد الظلام الذي يكتنفها، والسعي حثيثاً لاقتفاء أثر المصلحين، الذين رفعوا لواء الحرية، ودافعوا عن كرامة الإنسان، ليكون حراً بعيداً عن كل أشكال العبودية والاستبداد، أولئك الذين زوّدوا الأمة أمصال المناعة ضد كل احتقان سياسي أو طائفي أو عنصري، وألبسوا الإنسانية حلتها الجديدة الناصعة في التعاطي مع الأحداث بالسلوك القيمي والأخلاقي، الذي ينأى بطبعه عن كل العصبيات القبلية والإثنية والقومية.
فمن حق الأمة المتحررة أن تفتخر بروادها الذين أسسوا للحرية، وحفروا في التاريخ القديم والمعاصر أخاديد الحب والكرامة والإباء، ومن بين أولئك الأفذاذ، الذين من حقنا أن نفتخر بهم الإمام الهمام سيد الأحرار الحسين بن علي (عليه السلام) وكيف لا؟ ونحن لا نجد في سيرته المباركة سوى معاني الإخلاص والثورة ضد كل أنواع الفساد، والدفاع عن حقوق الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن انتمائه! وهذا المعنى يتجلى في سيرته المباركة، وهو ما عبر عنه حينما صدح صوته في صحراء كربلاء مخاطبا أعداءه (إنْ لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم)
من هو الحسين (عليه السلام) ؟
هو الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وأُمه فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول رب العالمين ونبي المسلمين الصادق الأمين، وأخوه الحسن بن علي (عليهما السلام) الذي قال الرسول الأعظم بحقه وبحق أخيه (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، اللهم إني أحبهما فأحب من يحبهما).
من كنى الإمام الحسين عليه السلام (الرشيد و الوفي و الطيب و السيد الزكي و المبارك و التابع لمرضاة الله و الدليل على ذات الله و السبط...) و أعلاها رتبة ما لقبه به جده صلى‏الله‏ عليه‏ وآله في قوله عنه و عن أخيه الحسن أنهما (سيدا شباب أهل الجنة) و كذلك (السبط) لقوله صلى‏الله‏ عليه‏ وآله (حسين سبط من الأسباط).
ولد الإمام الحسين عليه السلام بالمدينة في الثالث من شعبان و قيل لخمس خلون منه سنة ثلاث أو أربع من الهجرة و روى الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن إسحاق الثقفي بسنده عن قتادة أن ولادته لست سنين و خمسة أشهر و نصف من التاريخ.
و قيل ولد في أواخر ربيع الأول و قيل لثلاث أو خمس خلون من جمادى الأولى و المشهور المعروف أنه ولد في شعبان و كانت مدة حمله ستة أشهر.
ولما ولد جي‏ء به إلى رسول الله صلى ‏الله ‏عليه ‏وآله فاستبشر به و أذن في أذنه اليمنى و أقام في اليسرى فلما كان اليوم السابع سماه حسينا و عق عنه بكبش و أمر أن تحلق رأسه و تتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت ما أمرها به.
وعن الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش أن رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله سمى حسنا و حسينا يوم سابعهما و اشتق اسم حسين من اسم حسن.
وقيل ان الرسول صلى الله عليه وآله سمّاه حسيناً باسم ابن النبي هارون (شبـير) كما سمى ريحانته الأول حسناً باسم إبن النبي هارون (شبر).
وروى الحاكم في المستدرك و صححه بسنده عن أبي رافع رأيت رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة) و بسنده (عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي عليه ‏السلام و صححه أن رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله أمر فاطمة فقال زني شعر الحسين و تصدقي بوزنه فضة و أعطي القابلة رجل العقيقة.) و بسنده (أن رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله عق عن الحسن و الحسين يوم السابع و سماهما و أمر أن يماط عن رءوسهما الأذى.
و بسنده عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال عق رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله عن الحسين بشاة و قال يا فاطمة احلقي رأسه و تصدقي بزنة شعره فوزناه و كان وزنه درهما و بسنده أن النبي صلى‏الله‏عليه‏وآله عق عن الحسن و الحسين عن كل واحد منهما كبشين اثنين مثليين متكافيين.
للإمام الحسين عليه السلام من الأولاد ستة ذكور وثلاث بنات.
- علي الأكبر.. شهيد كربلاء أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية.
- علي الأوسط.
- علي الأصغر زين العابدين أمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس و معنى شاه زنان بالعربية ملكة النساء.
وقال المفيد: الأكبر زين العابدين و الأصغر شهيد كربلاء و المشهور الأول.
- محمد.
- جعفر مات في حياة أبيه ولم يعقب أمه قضاعية.
- وعبد الله الرضيع جاءه سهم و هو في حجر أبيه فذبحه.
- وسكينة وأمها أم عبد الله الرضيع الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم ، كلبية معدية.
- وفاطمة أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله تيمية.
- زينب.
ومن أخلاق الأمام عليه ‏السلام أنه دخل على أسامة بن زيد و هو مريض و هو يقول وا غماه فقال و ما غمك قال ديني و هو ستون ألف درهم، فقال عليه السلام هو عليّ، قال إني أخشى أن أموت قبل أن يقضى، قال عليه السلام لن تموت حتى أقضيها عنك فقضاها قبل موته.
ويذكر التأريخ أنه لما أخرج مروان الفرزدق من المدينة أتى الفرزدق الحسين عليه‏السلام فأعطاه الإمام أربعمائة دينار، فقيل له إنه شاعر فاسق فقال إن خير مالك ما وقيت به عرضك و قد أثاب رسول الله صلى‏الله‏ عليه‏ وآله كعب بن زهير و قال في العباس ابن مرداس اقطعوا لسانه عني.
و روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن سائلا خرج يتخطى أزقة المدينة حتى أتى باب الإمام الحسين فقرع الباب و أنشا يقول:
لم يخب اليوم من رجاك و من حرك من خلف بابك الحلقه
‏فأنت ذو الجود أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقة
و كان الحسين واقفا يصلي فخفف من صلاته و خرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر ضر و فاقة فرجع و نادى بقنبر فأجابه لبيك يا ابن رسول الله (صلى‏الله‏ عليه‏ وآله) قال ما تبقى معك من نفقتنا؟قال مائتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك فقال هاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم فأخذها و خرج يدفعها إلى الأعرابي و أنشا يقول:
خذها فإني إليك معتذر***و اعلم بأني عليك ذو شفقه
‏لو كان في سيرنا الغداة عصا***كانت سمانا عليك مندفقه‏
لكن ريب الزمان ذو نكد***و الكف منا قليلة النفقه
فأخذها الأعرابي و ولى و هو يقول:
مطهرون نقيات جيوبهم*** تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم***الكتاب و ما جاءت به السور
من لم يكن علويا حين تنسبه ***ما له في جميع الناس مفتخر
وفي تحف العقول : جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة فقال يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلة المسألة و ارفع حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما هو سارك إن شاء الله فكتب يا أبا عبد الله إن لفلان علي خمسمائة دينار و قد ألح بي فكلمه أن ينظرني إلى ميسرة فلما قرأ الحسين عليه‏السلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة فيها ألف دينار و قال له: أما خمسمائة فاقض بها دينك و أما خمسمائة فاستعن بها على دهرك، و لا ترفع حاجتك إلا إلى ثلاثة إلى ذي دين أو مروءة أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه، و أما ذو المروءة فإنه يستحيي لمروءته، و أما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.
وجد على ظهره عليه‏ السلام يوم الطف أثر فسئل زين العابدين عليه‏السلام عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و اليتامى و المساكين.
أما أصحابه أصحابه فكانوا خير أصحاب، فارقوا الأهل و الأحباب و جاهدوا دونه جهاد الأبطال و تقدموا مسرعين إلى ميدان القتال قائلين له أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا و وجوهنا يضاحك بعضهم بعضا قلة مبالاة بالموت و سرورا بما يصيرون إليه من النعيم، و لما أذن لهم في الانصراف أبوا و أقسموا بالله لا يخلونه أبدا و لا ينصرفون عنه قائلين أ نحن نخلي عنك و قد أحاط بك هذا العدو و بم نعتذر إلى الله في أداء حقك، و بعضهم يقول لا و الله لا يراني الله أبدا و أنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي و أضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و لم أفارقك أو أموت معك و بعضهم يقول و الله لو علمت إني أقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق حيا يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك و بعضهم يقول و الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة و أن الله يدفع بذلك القتل عنك و عن أهل بيتك و بعضهم يقول أكلتني السباع حيا إن فارقتك و لم يدعو أن يصل إليه أذى و هم في الأحياء و منهم من جعل نفسه كالترس له ما زال يرمي بالسهام حتى سقط و أبدوا يوم عاشوراء من الشجاعة و البسالة ما لم ير مثله فأخذت خيلهم تحمل و إنما هي اثنان و ثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الأعداء إلا كشفته.
أما إباؤه للضيم و مقاومته للظلم و استهانته القتل في سبيل الحق و العز فقد ضربت به الأمثال و سارت به الركبان و ملئت به المؤلفات و خطبت به الخطباء و نظمته الشعراء و كان قدوة لكل أبي و مثالا يحتذيه كل ذي نفس عالية و همة سامية و منوالا ينسج عليه أهل الإباء في كل عصر و زمان و طريقا يسلكه كل من أبت نفسه الرضا بالدنية و تحمل الذل و الخنوع للظلم، و قد أتى الحسين عليه‏ السلام في ذلك بما حير العقول و أذهل الألباب و أدهش النفوس و ملأ القلوب و أعيا الأمم عن أن يشاركه مشارك فيه و أعجز العالم أن يشابهه أحد في ذلك أو يضاهيه و أعجب به أهل كل عصر و بقي ذكره خالدا ما بقي الدهر، أبى أن يبايع يزيد بن معاوية السكير الخمير صاحب الطنابير و القيان و اللاعب بالقرود و المجاهر بالكفر و الإلحاد و الاستهانة بالدين.
قائلا لمروان و على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، و لأخيه محمد بن الحنفية : و الله لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، في حين أنه لو بايعه لنال من الدنيا الحظ الأوفر و النصيب الأوفى و لكان معظما محترما عنده مرعي الجانب محفوظ المقام لا يرد له طلب و لا تخالف له إرادة لما كان يعلمه يزيد من مكانته بين المسلمين و ما كان يتخوفه من مخالفته له و ما سبق من تحذير أبيه معاوية له من الحسين فكان يبذل في إرضائه كل رخيص و غال، و لكنه أبى الانقياد له قائلا: إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة بنا فتح الله و بنا ختم و يزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة و مثلي لا يبايع مثله، فخرج من المدينة بأهل بيته و عياله و أولاده، ملازما للطريق الأعظم لا يحيد عنه، فقال له أهل بيته: لو تنكبته كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب، فأبت نفسه أن يظهر خوفا أو عجزا و قال: والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، و لما قال له الحر : أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، أجابه الحسين عليه‏ السلام مظهرا له استهانة الموت في سبيل الحق و نيل العز، فقال له: أ فبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، و سأقول كما قال أخو الأوس و هو يريد نصرة رسول الله صلى ‏الله ‏عليه‏ وآله فخوفه ابن عمه و قال: أين تذهب فإنك مقتول: فقال:
سأمضي و ما بالموت عار على الفتى *** إذا ما نوى حقا و جاهد مسلم
اأقدم نفسي لا أريد بقاءها *** لتلقي خميسا في الوغى و عرمرم
فإن عشت لم أندم و إن مت لم ألم *** كفى بك ذلا أن تعيش فترغما
يقول الحسين عليه ‏السلام : ليس شأني شأن من يخاف الموت ما أهون الموت علي في سبيل نيل العز و إحياء الحق ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة، و ليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه، أ فبالموت تخوفني هيهات طاش سهمك و خاب ظنك لست أخاف الموت إن نفسي لأكبر من ذلك و همتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت و هل تقدرون على أكثر من قتلي مرحبا بالقتل في سبيل الله و لكنكم لا تقدرون على هدم مجدي و محو عزي و شرفي فإذا لا أبالي بالقتل. وهو القائل: موت في عز خير من حياة ذل، وكان يحمل يوم الطف و هو يقول:
الموت خير من ركوب العار***والعار أولى من دخول النار
لما أحيط به بكربلاء و قيل له: أنزل على حكم بني عمك، قال: لا و الله!لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أقر إقرار العبيد، فاختار المنية على الدنية و ميتة العز على عيش الذل، و قال: إلا أن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و جدود طابت و حجور طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.أقدم الحسين عليه‏السلام على الموت مقدما نفسه و أولاده و أطفاله و أهل بيته للقتل قربانا وفاء لدين جده صلى‏الله ‏عليه‏ وآله بكل سخاء و طيبة نفس و عدم تردد.
أما شجاعته فقد أنست شجاعة الشجعان و بطولة الأبطال و فروسية الفرسان من مضى و من سيأتي إلى يوم القيامة، فهو الذي دعا الناس إلى المبارزة فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة، و هو الذي قال فيه بعض الرواة: و الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جاشا و لا أمضى جنانا و لا أجرأ مقدما منه و الله ما رأيت قبله و لا بعده مثله و إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه و عن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب، و لقد كان يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، و هو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض و قد أثخن بالجراح، قاتل راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية و يفترص العورة. ويشد على الشجعان و هو يقول: أعلي تجتمعون، و هو الذي جبن الشجعان و أخافهم و هو بين الموت و الحياة حين بدر خولي ليحتز رأسه فضعف و أرعد.و في ذلك يقول السيد حيدر الحلي :
عفيرا متى عاينته الكماة***يختطف الرعب ألوانها
فما أجلت الحرب عن مثله***قتيلا يجبن شجعانها
وهو الذي صبر على طعن الرماح و ضرب السيوف و رمي السهام حتى صارت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ و حتى وجد في ثيابه مائة و عشرون رمية بسهم و في جسده ثلاث و ثلاثون طعنة برمح و أربع و ثلاثون ضربة بسيف.
هذا الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام سيد الشهداء وأبو الأحرار.

الاثنين، 5 ديسمبر 2011

حسيني الهوى

يروي سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله الوارف): ان الخطيب الحسيني المعروف الشهيد الشيخ عبد الزهراء الكعبي (رحمة الله عليه) ذهب سنة ما برفقة المجاهد الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره) الى بغداد، ليقنع مدير الإذاعة أن يبث قراءة مقتل الحسين (عليه السلام)، وكانت مبادرة شجاعة منهما في ذلك الزمن (عقد الستينات)، ولكنهما وبالتوكل على الله تعالى وبراعتهما في الحجة والإقناع، استطاعا أن يقنعاه ولو بصعوبة بالغة، حتى انهما لما خرجا من عنده لم يكونا على يقين بانه سوف يفي بوعده، ولكنه وفى بتأييد من الله (سبحانه وتعالى)، فكان ـ وللمرة الأولى ـ أن سمع الناس في العراق ودول الخليج مقتل الحسين (عليه السلام) يقرؤه الشيخ عبد الزهراء الكعبي من اذاعة بغداد، وكان ذلك في الساعة العاشرة صباح يوم عاشوراء.
ولا يخفى ما كان لهذه الخطوة من آثار بناءة عظيمة في الكيان الشيعي في المنطقة، واداء حكيم لتبليغ معالم الحق والمظلومية الحسينية، إلا أن الأعجب من هذا العجيب هو تكرار بث المقتل في عصر ذلك اليوم أيضاً، ولكن لا تعجب، فان للحسين (عليه السلام) نفوذاً في القلوب، وانما انا وانت وسائل قد تتهيأ لذلك بلطف الله وفضله وتوفيقه، فتؤجر بذلك وهنيئاً للمأجورين.
فذهب الشهيدان السيد حسن الشيرازي والشيخ عبد الزهراء الكعبي ليستفسرا من مدير الاذاعة سبب تكرار البث، علماً انه كان مترددا في بثه للمرة الواحدة، فاخبرهما قائلاً: انني تلقيت بعد الانتهاء من البث مكالمة من احد امراء الجيش (وهو من ابناء السنة) طالبني ببثه مرة ثانية، فقلت: سيدي لا يستحسن بث موضوع مرتين في الاذاعة، وهو يستغرق ساعات وليس دقائق، اضافة الى انني اخشى من ابناء السنة معارضتهم للحديث عن الخصوصيات الشيعية!
فردّ علي بصرامة قائلاً: انا اقول لك انني من ابناء السنة، حتى خفتُ ان يقتحم الاذاعة بمدرعاته بعد ساعة فيرميني في السجن.
فقلت: حسناً سيدي، ولكن اخبرني ما علاقتك انت وهذا المقتل؟!
قال: انني لما رجعت الى المنزل، وجدت زوجتي جالسة عند المذياع وتبكي، فسألتها: ممَ بكاؤك؟ فأشارت الى المذياع، ففهمت منها ان استمع، ولما سمعت الحديث جرت دموعي حزناً من غير إرادتي، وجلست استمع حتى انتهى الحديث، ولكني لم اسمع القصة كاملة، لذا اريدك ان تعيد بثّه لي وللملايين من امثالي، كي نعرف حقائق ما جرى على آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أخفاها المعاندون، أنا لستُ شيعياً ولكني لن اتحمل طمس الحقيقة!


الأحد، 4 ديسمبر 2011

الرسالة الأخلاقية في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

إن الأخلاق هي النور الذي يعالج الروح ويشفيها من أمراضها، كما يعالج الطب أمراض البدن، فالأخلاق العظيمة السامية ترافق الرسالة العظيمة التي حملها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى العالمين.
وإذا تأملنا في سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) نجدها النموذج الأرقى لمكارم الأخلاق، ولذلك يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
ويخطابه الباري سبحانه وتعالى بقوله: (وإنك على خلق عظيم).
وقد سلك الإمام الحسين (عليه السلام) نهج جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد رسم نموذجاً رائعاً في المواقف الأخلاقية الخالدة، لا سيما التي سجلها في واقعة الطف.. ولذلك نقول: إن تحب أقربائك ليس غريباً، وإن تحب أصدقاؤك ليس غريباً، وان تحب من يحقد عليك ـ ولو باطناً ـ ليس غريباً كذلك، فكل هذا ممكن، ولكن أن تحب عدوّك الذي يشهر السيف بوجهك ويتلهّف على قتلك، هذا هو الحبّ العظيم الذي كان يفيض من قلب الإمام أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه).
كان الإمام الحسين (روحي له الفداء) يخرج صباح عاشوراء إلى ساحة القتال وينظر إلى عدوّه، ثم يبكي ويطيل البكاء، فيظنّ الحاضرون أنه يبكي تفجعاً أوحقداً أو غربة، بل كان الإمام (عليه السلام) يبكي لأنهم يدخلون النار بسببه، هذا الذي كان يؤلمه، ما أعظم هذه الروحية، كلها عطاء ورحمة ورأفة وانسانية.
وموقف آخر من واقعة كربلاء هو قبول الحسين توبة الحر بن يزيد الرياحي، مع أن موقف الحر هو الذي أدى بالإمام إلى الموت والأسر لأهل بيته، وكيف أن الحسين وقف في تلك الصحراء الملتهبة يسقي الماء لجيش الحر ذات ألف فارس الذي جاء لقتال الحسين.. فلو عرضنا هذه المواقف للعالم لدخل العالم إلى الاسلام عن طريق المولى الحسين بن علي (عليه السلام).
لقد رسم الإمام (عليه السلام) لأهل بيته مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، وأمرهم بالتحلّي بها ليكونوا قدوة لغيرهم، وتوجيه الناس إلى الحق والخير، وإبعادهم عن نزعات الشر من الاعتداء والغرور وغير ذلك.
كتب إليه رجلٌ يسأله عن خير الدنيا والاخرة، فأجابه (عليه السلام): "أما بعد، فإنّ من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس"، وقال أيضاً: "عباد الله! اتقوا الله، وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد لكان الأنبياء أحق بالبقاء.. غير أن الله خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء… فتزودوا فإن خير الزاد التقوى”.
تأمل ـ يا أخي المؤمن ـ إلى هذا الموقف الأخلاقي للإمام الحسين (عليه السلام):
دخلت جارية من جواري الإمام (عليه السلام)، وقدمت له طاقة ريحان، فيقول لها الإمام: "أنتِ حرة لوجه الله تعالى”.
فيقول له أحدهم: جارية تجيئك بطارقة ريحان فتعتقها؟!
فيقول الإمام (عليه السلام): "هكذا أدّبنا الله، حيث قال تعالى: (وإذ حييّتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها)، وكان أحسن منها عتقها”.
ومرة أخرى جنى غلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي، والعافين عن الناس، قال (عليه السلام): "قد عفوت عنك"، قال: يا مولاي، والله يحب المحسنين، قال: "أنت حر لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك”.




دلالات التسامح الحسيني في عالم متغير


يتقلب الإنسان في الحياة الدنيا بين مجموعة من القيم والمثل الإنسانية التي تتأرجح بين المطلقة والمحدودة، والمثل العليا المطلقة يصعب تعريفها بتعريف جامع شامل، لأن التعريف يحدها، والحد تقييد للقيمة المطلقة، أو تحديد لها يخرجها عن إطلاقها، لكن الإطلاق يجعلها مرتعاً خصباً للإنفتاح على نماذج كثيرة لهذه القيمة المطلقة، واستشراف مديات أوسع وأكبر، والتحرك في إطارات عدة.
والمُثُل مفهوم قيَمي ذات دلالات واسعة وانعكاسات كثيرة على الواقع الشخصاني والمجتمعي والأممي والكوني، فالإنسان مهما بلغ شأواً فهو كغيره من البشر على علاقة مباشرة بالواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، وهذا الواقع له قدرة التأثير عليه، كما أن للشخص قدرة التأثير على الواقع، فهناك علاقة ترابطية أبدية بين الفرد والمجتمع، لها قابلية التمدد والتقلص سلباً أو إيجاباً، بنفس حجم تعاطي الفرد مع مكونات المجتمع من إنسان وحيوان وجماد ومحيط داخلي وخارجي يحتك بهما باستمرار.

وهذه العلاقة تكشف عن ماهية الفرد، وتكشف عن الصورة العامة للمجتمع، فنقول هذا مجتمع هادئ، وذاك مجتمع متعصب، وثالث متشنج، ورابع عطوف، وخامس ظلوم، وسادس متسامح، وسابع غشوم، وهكذا..
فالصبغة التي انطبع بها المجتمع إنما هي نتاج فعال أفراده، ففي صفوف المجتمع الخيّر هناك أشرار، وفي المجتمع الظلوم هناك أخيار، لكن الخير يخص والشر يعم حتى وإن كان الأشرار قلّة، وفي مثل هذه الصورة المجتمعية غير السليمة يبذل الأخيار أقصى جهدهم للخروج من طائلة الصبغة الظلومة القاتمة التي اصطبغ بها مجتمعهم، أما الأشرار فكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، بل أنهم لا يتوانون عن التمادي في الغي، لأنهم يرون مبتغاهم في مثل هذه الأجواء المريضة، ولا يهمهم مبلغ أذاهم للغير.
في حين أن المجتمع السليم هو الذي يتطلع إلى المثل السامية التي يجد فيها ضالته، والسفينة التي يمخر بها عباب الحياة، والسلطان الذي ينفذ به نحو سماء التكامل والرقي.
والإنسان ذو الفطرة السليمة ميال بطبعه إلى تلمّس ثريّا المثل العليا، والحط على جُرمها والسياحة في فضاءاتها.
قيمة التسامح:
ولعلّ واحدة من هذه المثل والقيم؛ هي قيمة التسامح التي يُجسدها قوله تعالى: ﴿إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾ [سورة فصلت: 34]، والتسامح هو مظهر حي من مظاهر سماحة الإسلام التي سعى رسولُ الله محمّد (صلى الله عليه وآله) إلى إقرارها في واقع المجتمع الإسلامي الفتي بالقول والفعل، ولذلك لم تكن الحروب التي خاضها إبتدائية، فكلها حروب دفاعية، وحتى في هذه الحروب لم يكن ليبدأ القوم بحرب، فهو يعظهم ويستنفذ كل الطرق في إلقاء الحجة عليهم أملاً في هدايتهم، ولشدة حبه للإنسان وتسامحه مع مَن ألقى في طريقه أحجار البغضاء أن كانت تذهب نفسه عليهم حسرات، وكان يأسف لشركهم وسباحتهم في آسن غيّهم.
فرسالة الإٍسلام تتقصى في المسلم الإنسان، وتبحث عن الإنسانية في غير المسلم، ولذلك كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يتألم إشفاقاً على أعداء الدين، ولم يكن ليدعو عليهم، وشعاره دوماً وأبداً: "أللّهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"، قالها وهو في الطائف وقد تعرض للأذى الجسدي، فمن باب أولى أنه يدعو لهم بالخير والهداية في المواقف الأقل سخونة، وهذا ديدن الرسول (صلى الله عليه وآله) التسامح ثم التسامح ثم التسامح، وكان من تسامحه أن عفى عن قتلة الصحابة في بدر وأحد وحنين عندما تمكن من رقابهم في فتح مكة، وقال لجموع القوم: "إذهبوا فأنتم الطلقاء"، لأنه كريم وابن أخ كريم، وكان أن عفى عن قاتل عمّه حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام)، لأن العفو مذهبه!
وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد أزهقت نفوس سبعين مليوناً من بني البشر، فإن عدد القتلى والشهداءِ من الجانبين في كل حروب الرسول (صلى الله عليه وآله) مع الآخر لم تتجاوز الألف في أكثر الفروض، وهذا ينبيك أن الرسول كان يتطلع إلى إنسانية الإنسان وإسلامه لا إلى رقبته وسفك دمائه.
وصورة التسامح هذه الواضحة المعالم على لوحة الحياة المحمدية، تحاول بعض القوى الداخلية والخارجية الخدش بها من خلال الزعم أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) نشر دينه بمنطق القوة لا بقوة المنطق، في محاولة منها الإساءة إلى الإسلام ونزع لباس الأمن والسلام عنه.
حديثنا هنا عن سياسة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في إدارة دفة الحروب بخاصة وإدارة دفة الحكم بعامة، التي تعتبر حجة لا يمكن لأحد التخلف عنها، لأنه: ﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى﴾ [سورة النجم: 3ـ4]، ولا يعنينا من الناحية الشرعية سياسة الآخرين، فالقرآن هو الحجة الدامغة، حيث يدعو إلى مجادلة الآخر بالتي هي أحسن، فمن باب أولى أن يكون التسامح في ما بين النسيج الإجتماعي الواحد هو العنوان الأبرز، والسنّة هي الحجة البالغة حيث تدعو إلى العفو عند المقدرة، فمن باب أولى أن يكون التسامح هو شعار المجتمع الواحد.
نسيج واحد:
وعلى منوال "حسين مني وأنا من حسين"، يأتي النسيج متشابهاً لتشابه الخيوط وتماثل اللُحمة، بل هي اللحمة بعينها، وهي قطعة النسيج ذاتها، ولا يقتصر مصداق (المِن) على العلاقة النسبية كونه السبط الثاني بعد الإمام الحسن (عليه السلام)، بل يتعدى المصداق إلى الشاهد الرسولي التبليغي المنفتح على الشاهد الإمامي التبليغي، فحيث كان النبي محمدٌ رسولاً من الله إلى الأمة التي تنازعتها الأهواء وقسّمتها ثلاثمائة وستون صنماً على أبواب مكة، نهض سليل النبوة ومعصم الرسالة في زمن عصفت بالأمة رياح التضليل وصار الدين لعق على ألسنة المسلمين يدرّونه ما درّت معايشهم، فكانت غضبة الدين التي جاءت لإصلاح اعوجاج الأمة وإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قلّ العاملون بها، حيث صار الأمر بالمنكر حليف الأمة والناس على دين ملوكهم، وصار النهي عن الحق هو الصبغة العامة والناس يدخلون مداخل الملوك، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وساء مدخلاً.
وحيث كانت القواسم المشتركة بين نبي الإسلام وسبطه وسيد شباب أهل الجنة كثيرة، كانت هجرة السبط إلى العراق كما كانت هجرة الجد إلى المدينة، وفي الطريق إلى الكوفة عاصمة الخلافة الراشدة الرابعة والخامسة تصله الأخبار بما لا تسر، لكنه يمضي إلى مسؤوليته، ويحيط به جيش من ألف فارس يقودهم الحر بن يزيد الرياحي أحد فرسان الكوفة ممن لم يكاتب الحسين (عليه السلام)، يجعجع به الطريق ويحجره عن الحركة، فلا هو إلى الكوفة ذاهب ولا هو إلى المدينة راجع، ويحط الرحال في كربلاء.
وعلى الرغم من هذا الموقف العدائي للحر الرياحي، فان تسامح الحسين (صلوات الله عليه) قاده إلى أن يروي عطش هذا الجيش القادم لاعتقاله، ويزيد على تسامحه تسامحاً أن رشّف خيلهم وأزال عن الفرسان ومطاياهم حر الرمضاء اللاهبة.
وفي المفهوم العسكري الميداني؛ فإن الحر الرياحي يمثل نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحسين (عليه السلام) انتهت إلى وقوع فاجعة كربلاء وسقوط الرجال مرملين على صعيد الطف والنار تلتهم الخيام، وحوافر الخيل ترتقي جسد الحسين التريب وتسحق رحل الحسين وأهل بيته وأنصاره.
ولكن في لحظة صحوة الضمير، يُخيِّر الفارس الكوفي نفسه بين الجنة والنار، بين البقاء على الغي أو تلمّس طريق الحق، فينزل في ساحة الحسين (عليه الصلاة والسلام) يطلب الصفح والعفو والتوبة، وحيث يبحث الحسين (عليه السلام) كجده عن إنسانية الإنسان، يقبل توبته ويصفح عنه، فالتسامح شعاره!
كان الحسين (عليه السلام) يدرك في تلك اللحظات أن الشهادة حليفه، حيث شاء الله أن يراه قتيلا، وكان بإمكانه أن يعتذر عن قبول توبة الحر، فيلتحق هو الآخر بعارها وشنارها دنياً، وبنارها وحريقها آخرة، لكنه جاء كجدّه رحمة للعالمين، واقتضاء الرحمة أن يتسامح، بخاصة وأن تسامحه في مثل هذه الظروف انتشال للإنسان الآخر من الضياع، وإن كان الآخر هو أحد أسباب المحنة والمصيبة، فالآخر وسلامته في الدنيا وسعادته في الآخرة هو محط أنظار أرباب الرسالة السماوية.
فالذي يتسامح مع مَن كان في المنظور الإنساني المجرد عن البعد الغيبي هو أحد أسباب نكبة كربلاء، فمن باب أولى أن يتسامح في ساعات أقل شدة وأقل وطأة، لأن الإسلام في واقع الأمر يريد من الإنسان حياته لا موته، فطلب الموت للغير من سُنّة الجبابرة الذين يتبوّؤون مقاعد السلطة ولو على رقاب الإنسان وكرامته، في حين أن كرامة الإنسان في دائرة المفاهيم الإسلامية أعظم من بيت الله، فقطرة الدم مقدسة، وقطرة الدمع مقدسة، وقطرة صفحة الجبين مقدسة.
كان الحسين (عليه سلام الله) كجده يبكي القوم في كربلاء لأنهم سيدخلون النار بسبب قتلهم له، فهم يريدون موته وهو يريد حياتهم، ولكن لا حياة لمن تنادي، وهل يرعوي من لبس رداء الشيطان وتمنطق سيفه وامتطى جواده؟!
قراءة واعية:
من الثابت أن الإنسانية تملك شخصية كبيرة مسامحة كمحمد (صلى الله عليه وآله) وتملك شخصية مسامحة كالحسين (عليه السلام)، لكن المشكلة في حملة العلم المحمدي كيف يمكنهم عرض الرسالة الإسلامية الخاتمة وجذب قلوب الناس إليها لانتشالهم من وحل الفراغ الروحاني والعقائدي؟ وبعضهم يقدم حصان العنف والتطرف أمام عربة التسامح والإعتدال.
لماذا يقرأ البعيد الإمام الحسين (عليه السلام) قراءة يعجز القريب عن قراءتها؟
لماذا قرأ زعيم الهندوس المهاتما غاندي في الحسين تسامحه والأعداء تحيط به من كل جانب، فانتصر غاندي على أقوى امبراطورية محتلة عبر سلاح اللاعنف والعصيان المدني، لا عنف السلاح والذبح المدني؟!
لماذا يقرأ الزعيم البوذي (الدلاي لاما) في الحسين معالم نهضته الخالدة، إلى الدرجة التي يتمنى معها أن يكون الحسين بوذيا حتى يجعل الناس كلهم بوذا، فالبوذية قائمة على الروحانية وعلى مبدأ التسامح، وحسب تعبير الدلاي لاما زعيم البوذ في العالم: إذا كانت لدينا نحن البوذ شخصيات مثل الإمام علي والإمام الحسين، وإذا كان لنا نهج البلاغة وكربلاء، فإنه لن يبقى في العالم أحد إلا ويعتنق العقيدة البوذية، نحن نفتخر ونعتز بهاتين الشخصيتين الإسلاميتين.
فهل يعقل أن يفهم غاندي والدلاي لاما رسالة الحسين الإصلاحية التسامحية، ولا ندرك نحن المسلمون ذلك؟
هنا أرى أن نعيد قراءة النهضة الحسينية من جديد، كما قرأها سماحة البحاثة آية الله الدكتور محمد صادق الكرباسي في موسوعته الفريدة (دائرة المعارف الحسينية) في ستمائة مجلد من ستين بابا، صدر منها حتى يومنا هذا ستون مجلدا، ففيها ما يحتم على المتلقي قراءة الواقع الحسيني كما أراده الإمام الحسين (عليه السلام) لا كما نريد، فما نريد ينتابه الخطل، وما يريد لا يصيبه الزلل.
* ألقي النص في اليوم الثالث من فعاليات مهرجان ربيع الشهادة الخامس المنعقد في كربلاء المقدسة في الفترة 26-30/7/2009 م، تحت شعار (الثابت الحسيني في عالم متغير).

الإمام الحسين (عليه السلام) في عيون المستشرقين والعشاق

لا يقاس الحسين بالثوار، بل بالأنبياء، ولا تقاس كربلاء بالمدن، بل بالسماوات, ولا تقاس عاشوراء بحوادث الدهر، بل بمنعطفات الكون! هكذا هو الحسين.. كتب الله أن يستدل عليه البشر مهما حالت دونه المسافات الزمنية والمكانية، كشمس تطلع في كل يوم أو كنجم لا يبارح مكانه من السماء.
و العجيب أنك لا تستطيع أن تفرق بين رأي الباحث المنصف في الحسين وبين رأي عشاقه، فتجد الجميع يشعر تجاهه بالانتماء الحميمي.
قال عنه المفكر المسيحي انطوان بارا، وهو يقرر حقيقة الأثر الذي ينطبع بمجرد ذكر اسمه الشريف: "لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبرا، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين"، وقال: "الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت، وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى إعجابنا وإكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا".
وقال الهندوسي والرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي تاملاس توندون متحدثاً عن تضحيات الحسين (صلوات الله عليه): "هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشري، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد وتذكر على الدوام".
ومعروف لدى الكثير تأثر الزعيم الهندي غاندي بحياة الإمام الحسين، وكان ذلك وراء النجاح الذي أحدثه في الهند، يقول: "لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء، واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين"، وقال كلمته المشهورة: "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر".
وأشارت الكاتبة الإنكليزية فريا ستارك إلى المد العاطفي الذي يجرفها حين تقرأ مأساة الحسين، إذ تقول: "ليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة، لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس، وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء".
ونوه المفكر الانجليزي جورج برنارد شو إلى ضرورة الانحناء باجلال لشخصية الحسين (صلوات الله عليه)، حيث يقول: "ما من رجل متنور إلا وعليه الوقوف وقفة اجلال واحترام لذلك الزعيم الفذ حفيد الإسلام، الذي وقف تلك الوقفة الشامخة أمام حفنة من الأقزام الذين روعوا واضطهدوا أبناء شعوبهم".
ووصف الأديب الألماني يوهان فولفجانج فون جوته مأساة الحسين بقوله: "إن مأساة الحسين هي مأساة للضمير الإنساني كله، وإن الحسين جسد الضمير الإنساني بدفاعه عن القيم والمثل الإنسانية الرفيعة".
واعتبر الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن القرآن ومحمد والحسين ثالوث مقدس، ويضيف: "يجب النظر إليهم نظرة تقديس، لأن فيهم الكثير من المثل العليا واحترام حقوق الإنسان".
ويرى المستشرق الأمريكي غوستاف غرونيبام أن واقعة كربلاء ذات أهمية كونية، معلّلاً بقوله: "فلقد أثَّرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين، الرجل النبيل الشجاع في المسلمين، تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى".
في حين تعجب الزعيم الصيني ماوتسي تونغ من المسلمين، إذ يقول: "عندكم تجربة ثورية وإنسانية فذة قائدها الحسين، وتأتون إلينا لتأخذوا التجارب؟! ".
وقال أبو غادة من الأردن أنه لا يتصور مسلماً يعرف دينه وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان يجهل مكانة آل بيت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، مؤكداً أن "الأحاديث التي تبين فضل الحسين سبط رسول الله لا ينكرها مسلم مهما كان مذهبه، فهو ممن نصلي عليهم في كل صلاة حين نقول في التشهد: اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد"، ويضيف أبو غادة: "نحن ندين لله بحبهم وحب الحسين، ومن لا يؤمن بذلك ففي دينه نظـــر"، واستغرب يقول: "لا ادري كيف نتجاهل ما ورد في شأن آل البيت عندنا؟ هل ذلك عناد للشيعة؟ "، ويعود مستغرباً يقول: "عندنا إجماع على مكانتهم وفضلهم".
وسردت يمامة أحمد موقفاً استشفت منه عالمية الإمام الحسين، فتقول: "كنتُ على متن الطائرة بعد عودتي من زيارة سيد الشهداء متوجهة من الكويت إلى البحرين، وأثناء الرحلة صادف أن جلسَت إلى جواري امرأة استرالية، اكتشفتُ في حديثي معها أنها ملحدة لاتؤمن بالرب إطلاقاً، سألتني هي بدورها من أين جئتُ، فقلت: من العراق، فبدت عليها الدهشة وقالت: Dangerous، ثم سألتني بفضول عن سبب الزيارة، فقلت: لنزور الحسين, حينها هزت رأسها وأكدت أنها تعرفه".
وعبّر الرادود الحسيني الحاج مهدي سهوان من مملكة البحرين عن حبه العميق للحسين، فيقول: "لا يوجد في القلب سوى حب الحسين"، واستدل على ذلك بقول الرسول (صلى الله عليه وآله): "حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحب حسينا"، وتابع يؤكد من جديد: "ليس هناك في القلب غير الحسين، فهو السبب المتصل بين السماء والأرض، وهو باب الله الذي منه يؤتى، وهو وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء، وهو سفينة النجاة، وليس سوى الحسين في قلب المؤمن، لأنه نور الله في الأرض، وهو الطريق إليه وإلى رضوانه".
وأجاب بعض الأطفال ما دون السادسة عن حبهم للحسين (عليه السلام) بإجابات فطرية ولائية, تقول الحوراء نعمان (5 سنوات ونصف): "الحسين ينام في القلوب", وقال محمد سامي: "الإمام الحسين (عليه السلام) موجود معنا"، وقالت سارا سامي: "هو موجود أمام الكعبة".